أصدر المركز العربي للأبحاث كتابه الأول المُعنون “مدخل إلى اللامساواة الاقتصادية” للكاتب إيمون باتلر والذي سهر على ترجمته محمد مطيع، وذلك في إطار سلسلة منشوراته للكتب المترجمة لعام 2023.
يعالج إيمون باتلر في كتابه إشكالية اللامساواة في سياق تمهيدي حيث يحاول الإجابة على بعض الأسئلة العامة والتي تؤسس لنقاش أكاديمي وسياسي قديم حديث. ومن خلال عرض تحليل مغاير للكلاسيكيات المعتادة، يتحدى إيمون باتلر السردية السائدة على نطاق واسع. فهو يتساءل عن صحة الأسئلة التي نطرحها حول معضلة اللامساواة؟ هل يجب أن تكون المساواة هدفاً في حد ذاتها؟ ألا تُظهر تقلبات الحياة تميّز الأفراد بقدرات مختلفة، وخيارات مختلفة، ومخاطر مختلفة، وحظوظ مختلفة ما يجعل مقاربة اللامساواة مسألة مختلفة أيضاً؟
في مقابل ذلك، يؤكد إيمون باتلر على ضرورة معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الحقيقية التي تُلحق ضرراً خطيراً بحياة الفقراء. ويُبرز كيف يمكن لإصلاح النظام التعليمي تعزيز الرقي الاجتماعي أكثر من أي سياسة أخرى هادفة إلى إعادة توزيع الدخل.
في الواقع، يقدّم هذا التحليل الأكاديمي الذي عرضه إيمون باتلر في كتابه التمهيدي موجزاً واضحاً هدف من خلاله إلى بناء نقاش حول أحد أكثر الموضوعات جدلية في القرن الحادي والعشرين.
إن التمعن في الإحصائيات والمعطيات الكمية حول ظاهرة اللامساواة في العالم يثير الريبة. وتظهر هذه الأخيرة أن عدداً قليلاً من أثرياء العالم يهيمنون على غالبية دخل البشرية ويتحكّمون في معظم الثروة المادية والمالية العالمية. وكتجليات وانعكاسات لها، رُبطت اللامساواة ببعض الظواهر من قبيل انخفاض متوسط العمر المتوقع، وضعف جودة التعليم، والأمراض العقلية، وحالة اللااستقرار السياسي، ومشاكل اجتماعية أخرى. وقصد وضع إطار يحد من تفشي مخاطرها، يطالب النشطاء بفرض ضرائب على الثروة، وتوسيع صلاحيات دولة الرفاه، ورفع الحد الأدنى للأجور.
من جهة ثانية، يتطرق إيمون باتلر لإشكالية منبثقة عن مسألة اللامساواة والمتعلقة بصعوبة قياس هذه الظاهرة. فإذا استعملت مستويات الدخل قبل اقتطاع الضرائب غير المتكافئة كمعيار، فإن الضرائب ومزايا الرعاية الاجتماعية (بما في ذلك الولوج إلى تعليم مهيكل، وتوفير سكن لائق وخدمات رعاية صحية في المستوى) تقلل من التفاوتات في مستويات المعيشة بشكل كبير، ما يجعل هذا المقياس غير سليم في هذه الحالة. ويظهر باتلر أن الموارد المالية ليست الغاية الوحيد التي تنبني عليها قرارات الأفراد عند اختيار طبيعة أعمالهم، بل يوجد أيضاً التحفيز النفسي وعامل الراحة والاستمتاع في بيئة الشغل. لهذا يخلص إيمون إلى فكرة أن “الإحصائيات حول اللامساواة مضللة من نواح “عديدة”.
في سياق آخر، يرى باتلر أن الفرد يفتقد للتدبير العقلاني لمسألة توزيع الدخل. يقول: “على الرغم من هيمنة قضية “توزيع الدخل” على لائحة المطالب، إلا أن لا أحد منا يوزع الدخل بطريقة واعية. فالدخل هو مجرد نتيجة لأفعال الأفراد الاقتصادية”. ويضيف: “كما أن نمط الثروة والدخل ليسا بمثابة تحصيل صفري. فلكي يصبح فرد أكثر ثراءً لا يعني بالضرورة أن يصبح الآخرون أكثر فقراً”.
وفي حديثه عن سياسات إعادة التوزيع la redistributionباسم المساواة، فيصفها باتلر ب”المتناقضة لأنها تضرب في مبدأ تساوي معاملة المواطنين أولاً، وتتجاهل حقيقة أن الوضع الاقتصادي للأفراد هو سوى نتيجة خيارات شخصية قاموا باتخاذها في زمن سابق ثانياً”. ويفسر قوله بالتالي: “قد يختار البعض منا توفير بعض الوقت للعائلة، والبعض يختار الرضا الوظيفي أو الراحة والترفيه، في حين تختار فئة أجراً عالياً”.
ويعتبر كتاب مدخل إلى اللامساواة الاقتصادية ثالث الكتب المترجمة التي يصدرها المركز العربي للأبحاث للمؤلف إيمون باتلر بعد كتابي “مدخل إلى الديمقراطية” و”مدخل إلى ريادة الأعمال”.
الجسور جرأة، مصداقية، مواطنة
