في خطوة علمية واعدة تعزز من مكانة الصين في مجال الابتكار الطبي، أعلن فريق بحثي صيني عن تحقيق تقدم ملموس في تطوير علاج جديد للسمنة يحمل اسم “مازدوتايد”، تم تطويره محلياً، وأثبت فعالية كبيرة ليس فقط في تقليل الوزن، بل أيضاً في تحسين مؤشرات الصحة الأيضية.
وأظهرت نتائج المرحلة الثالثة من التجارب السريرية، التي نشرتها المجلة الطبية الدولية الرائدة New England Journal of Medicine، أن “مازدوتايد” ساهم بشكل ملحوظ في خفض الوزن، إلى جانب تقليص محيط الخصر وتحسين ضغط الدم ونسبة الدهون في الجسم، فضلاً عن تقليل مستويات حمض اليوريك، بحسب ما أكده جي لي نونغ، مدير قسم الغدد الصماء بمستشفى الشعب التابع لجامعة بكين.
وفي تعليقها على هذا التطور، اعتبرت شياو روي بينغ، نائبة رئيس تحرير المجلة الطبية نفسها، أن هذا النجاح يعكس نضج البحث السريري الصيني، ويضع الصين في مصاف الدول الرائدة عالمياً في تطوير أدوية إنقاص الوزن.
وتأتي هذه القفزة العلمية في سياق معركة عالمية متصاعدة ضد السمنة، التي أصبحت من أكبر التحديات الصحية في القرن الحادي والعشرين. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من نصف سكان العالم البالغين سيعانون من الوزن الزائد أو السمنة بحلول عام 2050.
الصين ليست بمنأى عن هذه الظاهرة، حيث شهدت البلاد خلال الأربعين سنة الماضية ارتفاعاً حاداً في معدلات السمنة، مما أدى إلى زيادة مقلقة في معدلات الإصابة بأمراض مزمنة كداء السكري، وأمراض القلب، والسرطان، بالإضافة إلى ارتفاع معدل الوفاة المبكرة.
في مواجهة هذا الواقع، كثفت شركات الأدوية داخل الصين وخارجها جهودها لتطوير حلول دوائية فعالة. وأدرجت الهيئة الوطنية للصحة في الصين في دليلها التشخيصي والعلاجي الصادر عام 2024، الأدوية كأحد الحلول الموصى بها لعلاج السمنة. وتشمل قائمة الأدوية المصرح بها حالياً في السوق الصينية “سيماغلوتايد” و”أورليستات”، إلى جانب “مازدوتايد” الذي يُتوقع أن يشكل إضافة نوعية.
لكن المختصين يؤكدون أن الأدوية، رغم أهميتها، لا تمثل حلاً وحيداً لمشكلة السمنة. إذ أن النهج الأكثر فعالية يتمثل في الدمج بين العلاج الدوائي وتعديل نمط الحياة، من خلال الغذاء الصحي، والنشاط البدني المنتظم، والتوعية المجتمعية.
وفي هذا الإطار، أطلقت الصين منذ عام 2008 مبادرات وطنية لتعزيز اللياقة البدنية، وجعلت يوم 8 غشت من كل سنة يوماً وطنياً للياقة. كما شهدت السنوات الأخيرة نمواً متسارعاً في سوق الرياضة والتغذية الصحية، في ظل ارتفاع الوعي الصحي لدى المواطنين.
وتتواصل الجهود على نطاق واسع، من خلال إنشاء عيادات متخصصة لإدارة الوزن في المستشفيات، وتقديم إرشادات غذائية وطنية، وتفعيل برامج التربية البدنية اليومية في المدارس، وذلك ضمن حملة وطنية شاملة لمحاصرة ظاهرة السمنة قبل استفحالها.
هكذا، تضع الصين نفسها في مسار جديد، يعتمد على الابتكار العلمي من جهة، والتخطيط الصحي الشامل من جهة أخرى، لمواجهة واحدة من أخطر مشكلات الصحة العامة في العصر الحديث.
الجسور جرأة، مصداقية، مواطنة
