الرئيسية / أعمدة الجسور / بين الدعم المغربي لغزة وتوظيف مأساة فلسطين: قراءة نقدية في صناعة الفوضى باسم القضية

بين الدعم المغربي لغزة وتوظيف مأساة فلسطين: قراءة نقدية في صناعة الفوضى باسم القضية

عبد الله مشنون/كاتب صحفي مقيم في ايطاليا.

في الوقت الذي تقوم فيه المملكة المغربية بدعم فلسطيني ثابت وعملي — من خلال ثلاث رحلات يومية لطائرات الشحن نحو غزة، محملة بالغذاء والدواء والإمدادات الأساسية — نجد من يحوّل هذه المبادرة الإنسانية إلى مادة للتشكيك في ولاء الوطن، تحت ذريعة “الغيرة على فلسطين”. كمتابع واعٍ لما تقوم به الدبلوماسية المغربية في تنفيذ توجيهات جلالة الملك محمد السادس بشأن دعم القضية الفلسطينية، أرى أن تشويه صورة المغرب داخليًا وخارجيًا بات أسلوبًا ممنهجًا من طرف جماعات تتستر بالقضية، لكنها في الواقع تعمل لضرب المصالح الوطنية واستقرار البلاد.

 

المغرب لا يرفع شعارات إعلامية واسعة، بل يرصد دعمه لغزة عبر أفعال ملموسة. هذا العزف الهادئ يعد نموذجًا نضجًا لدولة تعي أنّ الخدمة الحقيقية لا تحتاج إلى إعلانات، وأن العمل الميداني — برؤية سياسة واضحة وتنسيق دولي — هو الطريقة الأكثر مصداقية.

 

إن الخط الفاصل بين النضال الحقيقي والوهم السياسي ضبابي عند البعض. من يقف وراء تحريك احتجاجات أمام ميناء طنجة يدّعي “الغيرة على فلسطين”، لكنه في حقيقة الأمر يساهم في تعطيل مصالح وطنية استراتيجية، مستندًا إلى إشاعة كاذبة مفادها توقف سفينة أمريكية تحمل أسلحة لإسرائيل داخل ميناء وطني. علماً أنه لا دليل رسمي يدعم هذه الإدعاءات.

 

رفع اللافتات لا يعني صدق النية، والتعبير عن الغضب بشكل شعبي لا يكفي إن لم يكن مدعومًا بالفعل العسكري والاقتصادي. هناك فئة تقوم بتوظيف عواطف الناس لغرس الشكّ في مؤسسات وطنية منتجة، تحت غطاء ديني أو حزبي، بينما المؤسسة نفسها تعمل في خدمة القضية بعيدًا عن التصنيفات الإعلامية السطحية.

 

تعطيل ميناء استراتيجي كطنجة لا يضرّ فقط بالاقتصاد الوطني، بل يُرسل إشارات خاطئة للشركاء الدوليين عن صلابة الدولة. إنه استهداف مباشر لسلاسل التزويد، وضرر على محرك النمو الوطني. ممن يعتقدون أن تعطيل الميناء هو تضامن مع غزة، أعيدوا النظر: منطقهم هو منطق الانتحار القرار لا التضحية الوطنية.

 

الخطاب المثقف والرأي العام الناضج يمكنهم التفرقة بين من يدافع عن فلسطين حقًا، ومن يحوّل القضية إلى وسيلة لتحقيق مكاسب انتخابية أو نشر الفوضى. النقد الوطني الحقيقي ليس إسقاط الدولة، بل نقدها بعقل واعٍ وذا مسؤولية.

 

من يهاجم مؤسسات بلاده، ويغذي استهدافها، مدعياً الدفاع عن فلسطين، يصبح في الواقع عميلًا لمروّجي الفوضى داخل وخارج الوطن. القضية الفلسطينية تفقد طهرها حين تُستغل كأداة لتلقيح الحقد ضد الخيار المغربي.

عن إدارة الموقع

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *