لم تتأخر الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها في الرد على التصريحات التي أدلى بها وزير العدل عبد اللطيف وهبي، خلال جلسة برلمانية قال فيها إن “الفساد لا يُرى بالعين المجردة”، داعياً كل من يراه إلى “أن يعكر صفوه”. ردّ الهيئة جاء مدعّماً بمعطيات رسمية تكشف عن صورة مقلقة لواقع الفساد بالمغرب، ما يجعل الجدل الدائر حول الموضوع أبعد ما يكون عن مجرد سجال لفظي.
وأوضحت الهيئة، التي سبق للوزير أن استخف برئيسها خلال اجتماع سابق بلجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان والحريات بمجلس النواب، أن مؤشرات الفساد تعرف منحى تنازلياً واضحاً. فقد كشف تقريرها المعنون بـ”الوقاية من الفساد ومكافحته: رافعة أساسية من أجل تنمية متينة، مدمجة ومستدامة” عن تدهور تصنيف المغرب على المستوى الدولي، إذ انتقل من المركز 47 سنة 2015 إلى المركز 95 سنة 2024، في دلالة على وضعية “متزايدة السلبية” وفق تحليل المؤشر الفرعي المتعلق بغياب الفساد.
وبحسب التقرير المدرج ضمن مشروع الميزانية الفرعية للهيئة برسم السنة المالية 2026 بمجلس المستشارين، فإن التراجع طال كذلك المؤشر الفرعي الخاص بالتحول السياسي، حيث انتقل المغرب من المرتبة 74 سنة 2006، محققاً 4.48 نقطة، إلى المرتبة 106 سنة 2024، بخسارة 32 مركزاً، وتراجع المعدل إلى 3.52 نقطة. ويعود هذا الانخفاض، وفق الهيئة، إلى تدهور ثلاثة معايير أساسية تتمثل في المشاركة السياسية وسيادة القانون والاندماج السياسي والاجتماعي.
كما أبرز التقرير تراجعاً جديداً في المؤشر الفرعي المرتبط بالحكامة، إذ حصل المغرب سنة 2024 على 4.63 نقطة، بانخفاض قدره 0.21 نقطة مقارنة بسنة 2022، و0.12 نقطة مقارنة بسنة 2006. وربطت الهيئة هذا التراجع بانخفاض معيار “بناء التوافقات” الذي سجل نقصاً بلغ نقطة كاملة.
وفي ما يتعلق بالرشوة، أفادت الهيئة بأن المغرب سجل سنة 2024 درجة مخاطر بلغت 56، وهو مستوى يفوق المتوسط العالمي المحدد في 48.74، وفق مؤشر بيرتلسمان. كما لوحظ، خلال الفترة الممتدة بين 2023 و2024، ارتفاع في مستوى الخطر المرتبط بشفافية الحكومة والإدارة العامة، بزيادة نقطة واحدة (من 64 إلى 65)، مما يعكس تحديات إضافية تواجه جهود تعزيز النزاهة والشفافية في تدبير الشأن العام.
وتقدم هذه الأرقام، وفق التقرير الرسمي، صورة دقيقة عن صعوبة الوضع الحالي وتؤكد الحاجة الملحة إلى تقوية آليات الحكامة وترسيخ ثقافة النزاهة، بما يتجاوز الجدل السياسي نحو تقييم موضوعي للواقع وإصلاحات بنيوية تستجيب لمتطلبات التنمية المستدامة بالمغرب.
الجسور جرأة، مصداقية، مواطنة
