الرئيسية / أعمدة الجسور / المجتمع المدني بين التملق والمصداقية: قراءة نقدية في سلوكات مشينة

المجتمع المدني بين التملق والمصداقية: قراءة نقدية في سلوكات مشينة

حفيظة لبياض.

في مشهد يتكرر مع كل تعيين لمسؤول جديد أو انتقال آخر إلى منصب أعلى، تظهر فئة من نشطاء المجتمع المدني تتحرك بسرعة البرق، لا لتقديم مذكرات مطلبية أو تقييمات موضوعية للوضع العام، بل لحجز المقاعد الأولى في حفلات “الولاء المدني” وكتابة عبارات التهاني والتبجيل المفرط، التي تشبه في كثير من الأحيان بلاغات رسمية مغرقة في التزلف.

 

هؤلاء لا يرون في المسؤول الجديد إلا مشروع فرصة، ومورد امتياز محتمل، فتبدأ لغة “سيادة الرجل المناسب في المكان المناسب”، و”الحقبة الجديدة”، وتنطلق صور “السيلفي المؤسساتي” مع الخلف والسلف، أملاً في نيل الحظوة، أو على الأقل، “قرباً ناعماً” من أصحاب القرار.

 

الأخطر من ذلك أن بعض المسؤولين أنفسهم لا يخفون استمتاعهم بهذا النوع من المديح الفارغ، فيسارعون إلى استقبال هذه الوجوه ذات الحضور الموسمي، ويفتحون لهم الأبواب، بينما يتم تهميش جمعيات نشيطة، جدية، تعمل بصمت، ولكنها لا تتقن التملق ولا تنحني إلا لقيم المصداقية والاستحقاق.

 

إن هذه الممارسات تفرغ مفهوم المجتمع المدني من روحه الحقيقية، وتُحوله في بعض الأحيان إلى أداة نفعية للتموقع، لا للتغيير. كما تُفقد الإدارات العمومية فرصة الاحتكاك مع الفاعلين الحقيقيين الذين يحملون نبض الشارع وهموم الناس، لا هواجس التقرب والامتياز.

 

لقد آن الأوان لفتح نقاش جريء حول هذه الظواهر، وتعرية هذا “النفاق المدني”، الذي يُسيء لصورة المجتمع المدني، ويفرّغ علاقة المؤسسات بالمجتمع من مضمونها الديمقراطي الحقيقي، القائم على الشراكة، لا الولاء.

 

 

عن إدارة الموقع

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *